فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد (6)}
والمرادُ بعاد أولادُ عادٍ بنِ عوصَ بنِ إرمِ بنِ سامِ بنِ نوحٍ عليه السلام قومُ هودٍ عليه السلام سُمُّوا باسمِ أبيهِم كما سُمِّيَ بنُو هاشمٍ هاشماً وقد قيلَ لأوائلِهم: عادٌ الأولى ولأواخرِهم: عادٌ الآخرةُ قال عمادُ الدينِ بنُ كثيرٍ: كلُّ ما وردَ في القرآن خبرُ عادٍ الأولى إلا مَا في سورةِ الأحقافِ.
وقوله تعالى: {إِرَمَ} عطف بيانٍ لعادٍ للإيذانِ بأنَّهم عادٌ الأولى بتقديرِ مضافٍ أيْ سبطُ إرمٍ أو أهلُ إرمٍ على ما قيلَ من أنَّ إرمَ اسمُ بلدتِهم أو أرضِهم التي كانُوا فيهَا ويؤيدُه القراءة بالإضافةِ وأياً ما كانَ فامتناعُ صرفِها للتعريفِ والتأنيثِ وقرئ {إِرْمَ} بإسكانِ الراءِ تخفيفاً كما قرئ {بِوَرْقِكُم} {ذَاتِ العماد} صفةٌ لـ: {إرمَ} أيْ ذاتُ القدودِ الطوالِ على تشبيهِ قاماتِهم بالأعمدةِ ومنه قولهم: رجلٌ عمدٌ وعمدان إذا كان طويلاً أو ذاتُ الخيامِ والأعمدةِ حيثُ كانُوا بدويينَ أهلَ عُمُدٍ أو ذاتُ البناءِ الرفيعِ أو ذاتُ الأساطينِ على أنَّ إرمَ اسمُ بلدتِهم وقرئ {إرمَ ذاتِ العماد} بإضافةِ {إرمٍ} إلى {ذاتِ العماد}.
والإرم العلمُ أي بعاد أهلِ إعلامِ ذاتِ العماد على أنها اسمُ بلدتِهم وقرئ {إِرْمِ ذاتَ العماد} أي جعلَها الله تعالى رَميماً بدل من {فعلَ ربُّك} وقيل: هي جملة دعائيةٌ اعترضتْ بين الموصوفِ والصفةِ.
ورُويَ أنه كانَ لعادٍ ابنانِ شديدٌ وشدادٌ فملَكا وقَهَرا ثم ماتَ شديدٌ وخلصَ الأمرُ لشدادٍ فملَك الدنيا ودانتْ له ملوكُها فسمعَ بذكرِ الجنةِ فقال: أبنِي مثلَها فبنَى إرمَ في بعضِ صَحارِي عدنٍ في ثلاثمائةِ سنةٍ وهيَ مدينةٌ عظيمةٌ قصورُها من الذهبِ والفضةِ وأساطينُها من الزبرجدِ والياقوتِ وفيها أصنافُ الأشجارِ والأنهارِ المطردةِ ولما تمَّ بناؤُها سارَ إليها بأهلِ مملكتِه فلما كانَ منها على مسيرة يوم وليلةٍ بعثَ الله تعالى عليهم صيحةً من السماء فهلكُوا.
وعن عبدِ اللَّهِ بنِ قلابةَ أنه خرجَ في طلبِ إبلٍ له فوقعَ عليها فحملَ ما قدر عليهِ مما ثمةَ وبلغَ خبرُه معاويةَ فاستحضرَهُ فقصَّ عليهِ فبعثَ إلى كعبٍ فسألَه فقال: هيَ إرمُ ذاتُ العماد وسيدخُلُها رجلٌ من المسلمينَ في زمانِك أحمرُ أشقرُ قصيرٌ على حاجبِه خالٌ وعلى عقبِه خالٌ يخرجُ في طلبِ إبلٍ لَهُ ثم التفتَ إلى ابن قلابةٍ فقال: هذا ذلكَ الرجلُ.
{التى لَمْ يُخلق مِثْلُهَا في البلاد} صفةٌ أُخرى لـ: {إرمَ} أيْ لم يُخلق مثلُهم في عظمِ الأجرامِ والقوةِ حيثُ كانَ طولُ الرجلِ منهم أربعمائةِ ذراعٍ وكانَ يأتِي الصخرةَ العظيمةَ فيحملُها ويُلقيها على الحي فيهلكُهم أو لم يُخلق مثلُ مدينةِ شدادٍ في جميعِ بلادِ الدنيا وقرئ {لَم يخلق} على إسنادِه إلى الله تعالى.
{وثمود} عطف على عادٍ وهي قبيلةٌ مشهورةٌ سُمِّيتْ باسمِ جدِّهم ثمودَ أَخِي جَديسٍ وهما ابنَا عامرِ بنِ إرمَ بن سامِ بن نوحٍ عليه السلام وكانُوا عرباً من العاربةِ يسكنونَ الحجر بين الحجازِ وتبوكَ وكانُوا يعبدونَ الأصنامَ كعادٍ {الذين جَابُواْ الصخر بالواد} أي قطعُوا صخرَ الجبال فاتخذُوا فيها بُيوتاً نحتوهَا من الصخرِ، كقوله تعالى: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً} قيلَ: هُم أول من نحتَ الجبال والصخورَ والرخامَ وقد بَنَوا ألفاً وسبعمائةِ مدينةٍ كلها من الحجارةِ {وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد} وصفَ بذلكَ لكثرة جنودِه وخيامِهم التي يضربُونَها في منازلِهم، أو لتعذيبه بالأوتادِ {الذين طَغَوْاْ في البلاد} إما مجرورٌ على أنه صفةٌ للمذكورينَ أو منصوبٌ أو مرفوعٌ على الذمِّ أي طَغَى كلُّ طائفةٍ منهُم في بلادِهم وكذا الكلامُ في قوله تعالى: {فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد} أي بالكفرِ وسائرِ المعاصِي {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ} أي أنزلَ إنزالاً شديداً على كلِّ طائفةٍ من أولئكَ الطوائفِ عقيبَ ما فعلتْهُ من الطغيانِ والفساد {سَوْطَ عذاب} أي عذاب شديدٌ لا يُدركُ غايتُهُ وهو عبارةٌ عمَّا حلَّ بكُلَ منهُم من فنون العذاب التي شُرِحتْ في سائر السورِ الكريمةِ وتسميتُه سوطاً للإشارةِ إلى أنَّ ذلكَ بالنسبةِ إلى ما أَعدَّ لَهُم في الآخرةِ بمنزلةِ السوطِ عندَ السيفِ والتعبيرُ عن إنزالِه بالصبِّ للإيذانِ بكثرتِه واستمرارِه وتتابعِه فإنه عبارةٌ عن إراقةِ شيءٍ مائعٍ أو جارٍ مجراهُ في السيلانِ كالرملِ والحبوبِ، وإفراغِه بشدةٍ وكثرةٍ واستمرارٍ ونسبته إلى السوطِ مع أنه ليسَ من ذلكَ القبيلِ باعتبار تشبيهِه في نزولِه المتتابعِ المتداركِ على المضروبِ بقطراتِ الشيءِ المصبوبِ، وقيلَ: السوطُ خلطُ الشيءِ بعضَه ببعضٍ فالمَعْنى ما خُلِطَ لهم من أنواعِ العذاب وقد فُسِّرَ بالتصببِ وبالشدةِ أيضًا لأن السوطَ يطلقُ على كلَ منهُما لغةً فلا حاجةَ حينئذٍ في تشبيهِه بالمصبوبِ إلى اعتبارِ تكررِ تعلقِه بالمعذبِ كما في المَعْنى الأولِ فإن كلَّ واحد من هذه المعاني مما يقبلُ الاستمرارَ في نفسه.
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد}
تعليلٌ لما قبلَهُ وإيذانٌ بأن كفارَ قومِه عليه الصلاةُ والسلامُ سيصيبُهم مثلُ ما أصابَ المذكورينَ من العذاب كما ينبئ عنْهُ التعرضُ لعنوان الربوبيةِ مع الإضافةِ إلى ضميره عليه الصلاةُ والسلامُ وقيلَ: هو جوابُ القسمِ وما بينهما اعتراضٌ والمرصاد المكانُ الذي يَترقبُ فيه الرصدُ مِفْعَالٌ منْ رصدَهُ كالميقاتِ من وقتَهُ وهذا تمثيلٌ لإرصادِه تعالى بالعُصاةِ وأنَّهم لا يفوتونَهُ. اهـ.

.قال الألوسي:

والمراد بعاد أولاً عاد بن عاص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام قوم هود عليه السلام سموا باسم أبيهم كما سمي بنو هاشم هاشماً وإطلاق الأب على نسله مجاز شائع حتى ألحق بعضه بالحقيقة وقد قيل لأوائلهم عاد الأولى ولأواخرهم عاد الآخرة قال عماد الدين بن كثير كلما ورد في القرآن خبر عاد فالمراد بعاد فيه عاد الأولى إلا ما في سورة الأحقاف ويقال لهم أيضًا إرم تسمية لهم باسم جدهم والتسمية بالجد شائعة أيضًا وهو اسم خاص بالأولى وعليه قول ابن الرقيات:
مجدًّا تليداً بناه أوله ** أدرك عاداً وقبلها إرماً

ونحوه قول زهير:
وآخرين ترى الماذي عدتهم ** من نسج داود أو ما أورثت إرما

{إِرَمَ} عطف بيان لعاد للإيذان بانهم عاد الأولى وجوز أن يكون بدلاً ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث باعتبار القبيلة وصرف عاد باعتبار الحي وقد يمنع من الصرف باعتبار القبيلة أيضًا وقرأ الضحاك بذلك في إحدى الروايتين عنه ورجح اعتبار الصرف فيه بخفته لسكون وسطه وقدر بعضهم مضافاً في الكلام أي سبط ارم وجعل ارم عليه اسم أمهم وهو قول فيه حكاه في القاموس ووجه منع الصرف فيه ظاهر وأبى بعضهم إلا جعله اسم جدهم ومعنى كونهم سبطه أنهم ولد ولده ولا يظهر على هذا علة منع صرفه ولعل ذلك هو الذي دعا إلى جعله اسم أمهم لكن رأيت في تعليقات بعض الأفاضل على الحواشي العصامية على تفسير البيضاوي إن ارم إنما منع من الصرف سواء كان اسماً للقبيلة أم لجدها للعلمية والعجمة وقال إنهما موجودتان في عاد أيضًا إلا أنه لكونه ثلاثياً ساكن الوسط يجوز فيه الأمران الصرف وعدمه وزعم أن هذا هو الحق وبكونه اسم القبيلة قال مجاهد وقتادة زابن اسحق ولا حاجة معه إلى تقدير مضاف فقوله تعالى: {ذَاتِ العماد} صفة لارم نفسها والمراد ذات القدود الطوال على تشبيه قاماتهم بالأعمدة ومنه قولهم رجل معمد وعمدان إذا كان طويلاً وروي هذا عن ابن عباس ومجاهد واشتهر انه كان قد أحدهم اثنى عشر ذراعاً وأكثر وفي تفسير الكواشي قالوا كان طول الطويل منهم أربعمائة ذراع وكان أحدهم يأخذ الصخرة العظيمة قيقلبها على الحي فيهلكهم وعن قتادة وابن عباس في رواية عطاء المراد ذات الخيام والأعمدة وكانوا سيارة في الربيع فإذا هاج النبت رجعوا إلى منازلهم وقال غير واحد كانوا بدويين أهل عمد وخيام يسكنونها حلا وارتحالاً وقيل المراد ذات الوقار أو ذات الثبات وطول العمر والكل على الاستعارة.
وقوله تعالى: {التى لَمْ يُخلق مِثْلُهَا في البلاد} صفة أخرى لها أي لم يخلق مثلهم في عظم الاجرام والقوة في بلاد الدنيا وقد سمعت ما نقل عن الكواشي آنفاً وما ذكر فيه من انه كان أحدهم إلخ جاء في حديث مرفوع أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن المقدام بن معد يكرب وقيل ارم اسم مدينة لهم قال محمد بن كعب هي الاسكندرية وقال ابن المسيب والقبري هي دمشق وقيل اسم أرضهم وهي بين عمان وحضرموت وهي أرض رمال وأحقاف فقد قال سبحانه وتعالى: {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف} [الأحقاف: 21] وبهذا اعترض القول بأن مدينتهم الاسكندرية والقول بأنها دمشق حيث إنهمنا ليستا من بلاد الأحقاف والرمال إلا أن يقال ما هنا عاد الأولى وما في آية الأحقاف عاد الآخرة ويلتزم عدم اتحاد منازلهما وعلى القول بكونه اسم مدينتهم أو اسم أرضهم فهو بتقدير مضاف لتصحيح التبعية أي أهل ارم وقيل يقدر مضاف في جانب المتبوع أي بمدينة أو بأرض عاد ارم وهو كما ترى ومنع الصرف على الوجهين لما سمعت والأكثرون على أنها اسم مدينة عظيمة في أرض اليمن والوصفان لها والمراد ذات البناء الرفيع أو ذات الأساطين التي لم يخلق مثلها سعة وحسن بيوت وبساتين في بلاد الدنيا ويروى أنه كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فقال إبني مثلها فبنى إرم في بعض صحاري عدن في ثلثمائة سنة وكان عمره تسعمائة سنة وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الأشجار والأنهار المطردة ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته فلما كان منها مسيرة يوم وليلة بعث الله تعالى عليهم صيحة من السماء وعن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب ابل له فوقع عليها فحمل قدر عليه مما ثم وبلغ خبره معاوية فاستحضره فقص عليه فبعث إلى كعب فسأله فقال هي ارم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال يخرج في طلب إبل له ثم التفت فأبصر من قلابة فقال هذا والله ذلك الرجل وخبر شداد المذكور أخوه في الضعف بل لم تصح روايته كما ذكره الحافظ ابن حجر فهو موضوع كخبر ابن قلابة وروي عن مجاهد أن ارم مصدر أرم يأرم إذا هلك فارم بمعنى هلاك منصوب على نحو نصب المصدر التشبيعي مضاف إلى ذات والتي صفة لذات العماد مراداً بها المدينة {وكيف فعل} [الفجر: 6] في قوة كيف أهلك فكأنه قيل ألم تر كيف أهلك ربك عادا كهلاك ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وهو قول غريب غير قريب.
وقرأ الحسن {بعاد ارم} بإضافة عاد إلى ارم فجاز أن يكون ارم جدًّا والوصفان لعاد وأن يكون مدينة والوصفان لازم وجوز أن يكونا لعاد.
وقرأ ابن الزبير {بعاد أرم} بالإضافة أيضًا إلا أن أرم بفتح الهمزة وكسرة الراء قيل وهي لغة في المدينة لا غير.
وعن الضحاك أنه قرأ {بعاد} مصروفاً وغير مصروف أرم بفتح الهمزة وسكون الراء للتخفيف وأصله أرم كفخذ.
وقرئ {إرم ذات} بإضافة {إرم} إلى {ذات} فقيل الارم عليه العلم والمعنى بعاد أعلام العماد وهي مدينتهم والتي صفة لذات العماد على الأظهر.
وعن ابن عباس أنه قرأ {أرم} بالتشديد فعلاً ماضياً {ذات} بالنصب على المفعول به أي جعل الله تعالى ذات العماد رميماً ويكون أرم على ما في البحر بدلاً من فعل أو تبييناً له والمراد بذات العماد عليه اما عاد نفسها ويكون فيه وضع المظهر موضع المضمر والنكتة فيه ظاهرة وإما مدينتهم ويكون جعلها رميماً أي إهلاكها كناية عن جعلهم كذلك.
وقرأ ابن الزبير {لم يخلق} مبنياً للفاعل وهو ضميره عز وجل مثلها بالنصب على المفعولية وعنه أيضًا {لم نخلق} بنون العظمة.
{وثمود} عطف على {عاد} وهي قبيلة مشهورة سميت باسم جدهم ثمود أخي جديس وهما ابنا عابر بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام كانوا عرباً من العاربة يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك وكانوا يعبدون الأصنام ومنع الصرف للعلمية والتأنيث.
وقرأ ابن وثاب بالتنوين صرفه باعتبار الحي كذا قالوا وظاهره أنه عربي وقد صرح بذلك فقيل هو فعول من الثمد وهو الماء القليل الذي لا مادة له ومنه قيل فلان مثمود ثمُدَّتْه النساء أي قطعن مادة مائة لكثرة غشيانه لهن ومثمود إذا كثر عليه السؤال حتى نفدت مادة مائه.
وحكى الراغب أنه عجمي فمنع الصرف للعلمية والعجمية {الذين جَابُواْ الصخر} أي قطعوا صخر الجبال واتخذوا فيها بيوتاً نحتوها من الصخر كثوله تعالى: {وتنحتون من الجبال بيوتاً} [الشعراء: 149] قيل أول من نحت الحجارة والصخور والرخام ثمود وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة كلها بالحجارة ولا أظن صحة هذا البناء {بالواد} هو وادي القرى.
وقرئ بالياء آخر الحروف والباء للظرفية والجار والمجرور متعلق بـ: {جابوا} أو بمحذوف هو حال من الفاعل أو المفعول وقيل الباء للآلة أو السببية متعلقة بـ: {جابوا} أي جابوا الصخر بواديهم أو بسببه أي قطعوا الصخر وشقوة جهلوه واديا ومحلا لمائهم فعل ذوي القوة والآمال وهو خلاف الظاهر وأياً ما كان فالجواب القطع والظاهر أنه حقيقة فيه تقول جبت البلاد أجوبها إذا قطعتها قال الشاعر:
ولا رأيت قلوصاً قبلها حملت ** ستين وسقاً ولا جابت بها بلدا

ومنه الجواب لأنه يقطع السؤال.
وقال الراغب الجوب قطع الجوبة وهي الغائط من الأرض ثم يستعمل في قطع كل أرض وجواب الكلام وهو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائد إلى سمع المستمع لكنه خص بما يعود من الكلام دون المبتدأ من الخطاب انتهى فاختلا لنفسك ما يحلو.
{وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد} وصف بذلك لكثرة جنوده وخيامهم التي يضربون أوتادها في منازلهم أو لأنه كان يدق للمعذب أربعة أوتاد ويشده بها مبطوحاً على الأرض فيعذبه بما يريد من ضرب أو إحراق أو غيره وقد تقدم الكلام في ذلك.
{الذين طَغَوْاْ في البلاد} اما مجرور على أنه صفة للمذكورين عاد ومن بعده أو منصوب أو مرفوع على الذم أي طغى كل طاغية منهم في بلاده وكذا الكلام في قوله تعالى: {فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد} أي بالكفر وسائر المعاصي.
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ} أي أنزل سبحانه إنزالاً شديداً على كل طائعة من أولئك الطوائف عقيب ما فعلت من الطغيان والفساد {سَوْطَ عذاب} أي سوطاً من عذاب على أن الإضافة بمعنى من والعذاب بمعنى المعذب به والمراد بذلك ما حل بكل منهم من فنون العذاب التي شرحت في سائر السور الكريمة والسوط في الأصل مصدر من ساط يسوط إذا خلط قال الشاعر:
أحارث أنا لو تساذ دماؤنا ** تزايلن حتى لا يمس دم دما

وشاع في الجلد المضفور الذي يضرب به وسمي به لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض أو لأنه يخلط اللحم بالدم والتعبير عن إنزاله بالصب للإيذان بكثرته وتتابعه واستمراره فإنه عبارة عن إراقة شيء مائع أو جار مجراه في السيلان كالحبوب والرمل وإفراغه بشدة وكثرة واستمرار ونسبته إلى السوط مع أنه على ما سمعت ليس من هذا القبيل باعتبار تشبيهه في سرعة نزوله بالشيء المصبوب وتسمية ما أنزل سوطاً قيل للإيذان بأنه على عظمة بالنسبة إلى ما أعد لهم في الآخرة كالسوط بالنسبة إلى سائر ما يعذب به وفي الكشف إن إضافة السوط إلى العذاب تقليل لما أصابهم منه ولا يأبى ذلك التعبير بالصب المؤذن بالكثرة لأن القلة والكثرة من الأمور النسبية وجوز أن يراد بالعذاب التعذيب والإضافة حينئذ على معنى اللام وأمر التعبير بالصب والتسيمة بالسوط على ما تقدم والآية من قبيل قوله تعالى: {فأذاقهم الله لباس الجوع} [النحل: 112] وجوز أن تكون الإضافة كالإضافة في لجين الماء أي فصل عليهم ربك عذاباً كالسوط على معنى أنواعاً من العذاب مخلوطاً بعضها ببعض اختلاط طاقات السوط بعضها ببعض وأن يكون السوط مصدراً بمعنى المفعول والإضافة كالإضافة في جرد قطيفة أي فصب عليهم ربك عذاباً مسوطاً أي مخلوطاً ومآله فصب أنواعاً من العذاب خلط بعضها ببعض وفي الصحاح سوط عذاب أي نصيب عذاب ويقال شدته لأن العذاب قد يكون بالسوط وأراد أن الغرض التصوير والأليق بجزالة التنزيل ما تقدم.
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمرصاد (14)}
تعليل لما قبله وإيذان بأن كفار قومه صلى الله عليه وسلم سيصيبهم مثل ما أصاب أضرابهم المذكورين من العذاب كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام والمرصاد المكان الذي يقوم به الرصد ويترقبون فيه مفعال من رصده كالميقات من وقته وفي الكلام استعارة تمثيلية شبه كونه تعالى حافظاً لأعمال العصاة على ما روي عن الضحاك مترقباً لها ومجازيا علي نقيرها وقطميرها بحيث لا ينجو منه سبحانه أحد منهم بحال من قعد على الطريق مترصداً لمن يسلكها ليأخذه فيوقه به ما يريد ثم أطلق لفظ أحدهما على الآخر.
والآية على هذا وعيد للعصاة مطلقاً وقيل هي وعيد للكفرة وقيل وعيد للعصاة ووعد لغيرهم وهو ظاهر قول الحسن أن يرصد سبحانه أعمال بني آدم وجوز ابن عطية وكون المرصاد صيغة مبالغة كالمطعام والمطعان وتعقبه أبو حيان بأنه لو كان كما زعم لم تدخل الباء لأنها ليس في مكان دخولها لا زائدة ولا غير زائدة وأجيب بأنها على ذلك تجريدية نعم يلزمه إطلاق المرصاد على الله عز وجل وفيه شيء. اهـ.